في الأوقات العصيبة، التي تمرّ فيها الشعوب بهزّات اجتماعية وسياسيّة كبرى، يحتاج الناس إلى دليل، في هذه الأزمات، يفقد الناس الثقة في رجال السياسة ورجال الدين وحتى رجال العلم. ولكنهم يضلون يبحثون عن ضوء ينير لهم الطريق لمعرفة أين يتوجّهون.

في هذه الأوقات، التي تسمّى فترات الانتقال الديمقراطي، تمثّل الصحافة الجيدة هذا الضوء.

وحدها المواد الصحفيّة التي تلتزم بقيم حرية الصحافة يمكن أن تساعد الناس على فهم ما يحدث حولهم، وعلى معرفة إلى أين يتّجهون، وفي المقابل يقوم الإعلام المخادع والصحافة الكاذبة والمنافقة بتضليل الناس لتسهيل توجيههم والسيطرة عليهم.

إنّ الالتزام بمعايير الصحافة الأخلاقيّة وعدم الانخراط في خطابات العنف والكراهيّة ليس مجرّد التزام بفضائل أخلاقيّة رفيعة، وإنّما أيضا، وأساسا هو انخراط في صحافة الجودة التي تلتزم بالمعايير المهنيّة والأخلاقيّة.

إنّ صحافة الجودة هي وحدها القادرة على الاستمرارية وضمان البقاء، فالصحافة النوعيّة تبني الثقة، والثقة في عالم الصحافة علامة مميزة تساعد على وفاء القرّاء والمستمعين والمشاهدين وتضمن الاستمرارية والاستقرار الاقتصادي.

ناجي البغوري

رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين

شارك

الإخلالات المرصودة في التعاطي الإعلامي مع الإرهاب


الصحف الالكترونية
0
صحف الورقية
0
مواقع الكترونية تلفزية وإذاعية
0

توزع الإخلالات على وسائل الإعلام


لابراس - 453 إخلالا
23.80%
الصريح - 407 اخلالا
21.39%
لوكوتيديان - 376 اخلالا
19.76%
الشروق - 255 اخلالا
13.40%
الضمير - 94 اخلالا
4.94%
اخر خبر أون لاين - 83 إخلالا
4.36%
المغرب - 79 اخلالا
4.15%
بزنس نيوز - 33 اخلالا
1.73%
الصباح - 29 اخلالا
1.52%
الشارع المغاربي - 22 اخلالا
1.16%
الإذاعة التونسية - 14 اخلالا
0.74%
حقائق أون لاين - 13 اخلالا
0.68%
موزاييك أف أم - 11 اخلالا
0.58%
نسمة تي في - 8 اخلالا
0.42%
جوهرة أف أم - 8 اخلالا
0.42%
الفجر - 8 اخلالا
0.42%
التلفزة التونسية الأولى - 5 اخلالا
0.26%
الصدى - 4 اخلالا
0.21%
صوت الشعب - 1 اخلالا
0.05%
 

حسب الأشكال الصحفية


 
الخبر والتقرير الاخباري - 54.81%
1043
العنوان - 28.38%
540
الصور11.93%
227
آراء (مقالات رأي- أعمدة- تحاليل) 2.57%
49
حوارات 0.89%
17
افتتاحية 0.58%
11
تحقيق صحفي 0.37%
7
روبورتاج 0.32%
6
الكاريكاتور 0.05%
1
الخبر العاجل 0,05%
1
برتريه 0,05%
1

طبيعة الإخلالات


نشر مصطلحات خاصة بالجماعات الإرهابية 86,18%
1640
إعادة نشر مواد دعائية إرهابية 10.83%
206
نشر صور للقتلى (و/أو) الجرحى وعائلاتهم 0.79%
15
عدم الدقة (و/أو) عدم الحياد 0.58%
11
نشر اخبار حول عملية امنية جارية 0.58%
11
نشر عناوين تحريضية 0.32%
6
تجاهل المصادر الرسمية 0.26%
5
تنزيل بيانات الجماعات الإرهابية حرفيا 0.21%
4
عدم التثبت في دقة الاخبار العاجلة 0.11%
2
نشر تحقيقات قضائية جارية 0.05%
1
الإكتفاء بمصدر واحد 0.05%
1
نشر تسجيلات الجرائم الإرهابية 0.05%
1
 

أمثلة من الاخلالات المرصودة في التعاطي الاعلامي مع الارهاب:

في إعادة نشر مواد دعائية ارهابية ومصطلحات خاصة بالجماعات الارهابية

نشرت جريدة الصريح يوم 15 مارس2016   مقالا تحت عنوان “تمدّد داعش الإرهابي في تونس” احتوى على  صورة لمجموعة إرهابيّة مسلّحة رافعة الراية السوداء من شأنها الترويج لتلك المجموعة وإظهارها في موضع قوة والتأثير السلبي في معنويات المتلقي. كما تضمّن نصّ المقال تكرارا لأسماء تنظيمات إرهابية دون توصيفها ولو مرّة واحدة في تتفيه للظاهرة الإرهابيّة.

شارك

في نشر صور القتلى والضحايا

نشرت صحيفة آخر خبر أون لاين الالكترونية يوم 29 فيفري 2016 مقالا بعنوان “حقيقة صورة مقتل نور الدين شوشان” تضمّن صورة  لجثة إرهابي  دون اخفاء وجهه الملطخ بالدماء و هو من شأنه أن يتعارض  مع ما نصّت عليه العديد من المواثيق  والاتفاقيات الدولية التي حظرت المساس من حرمة جسد الانسان،  كما من شأن مثل هذه الصور أن تسيء لعائلات القتلى.

شارك

في تنزيل بيانات الجماعات الارهابية

نشر موقع “آخر خبر أونلاين يوم 15 فيفري 2016 مقالا بعنوان “رئيس ديوان الخلافة في داعش:أرض العراق والشام أصبحت جدباء ولا تستحق الجهاد والتضحي…أرفقه بالنصّ الحرفي لبيان التنظيم الإرهابي “داعش” يحمل شعاره والختم الخاص به.

ويكمن الخلل في إعادة نشر مواد دعائية إرهابيّة دون معالجتها صحفيا وعدم الاشارة إلى القارئ أنها مضامين ارهابية.

في نشر مصطلحات خاصة بالجماعات الارهابية

نشرت صحيفة “لابراس” يوم 21 مارس مقالا بعنوان “  Al Qaida pourchasséeتضمّن مصطلح  Militants عوضا عن Terroristes إستنادا على محتوى برقية من وكالة “رويترز ” دون معالجتها ووضعها في السياق المحلي.
علما أنّ أغلب اليوميات تسقط في نفس الخطأ المهني مّما يفسّر تضخّم عدد الإخلالات في هذا المجال.

شارك

في نشر أخبار حول عملية امنية جارية

نشر موقع موزاييك أف أم” يوم 09 مارس 2015 مقالا تحت عنوان “بن قردان: القضاء على إرهابي آخر ومواجهات مسلحة بوادي فسّي” تضمّن تفصيلا لعمليّة أمنيّة جارية بما فيه تحديد مكانها بدقّة “أكّدت مصادر أمنية لموزاييك أن القوات الأمنية والعسكرية تمكنت اليوم الأربعاء 9 مارس 2016 من القضاء على إرهابي آخر في بمنطقة ‘بنيري’ ببن قردان لترتفع حصيلة الإرهابيين الذين تم القضاء عليهم إلى حد الآن 43 إرهابيا.
وأضافت المصادر ذاتها أنّ مواجهات مسلحة تدور حاليا في منطقة وادي فسّي على بعد 15 كيلومترا على منطقة بن قردان وتحديدا على مقربة من الإدارة الفرعية التابعة لشركة تونس للطرقات السريعة.”

علما أنّ أخلاقيات المهنة تفرض عدم نشر معلومات دقيقة حول نشاطات أو مخططات الأجهزة الأمنية مثل نقاط التمركز أثناء العمليات وحجم القوات وأعدادها، كما تُلزم الصحفي بعدم نشر معلومات يمكن أن تمس بالأمن العام وتهّدد سلامة قوات الأمن و الجيش مع ضرورة التثبت من المعلومات والالتزام في هذه الحالة ببيانات الجهات الرسميّة.

شارك



الإخلالات المرصودة في خطاب الكراهية



مواقع الكترونية تلفزية وإذاعية
0
2,30%
صحف الورقية
0
52,87%
الصحف الالكترونية
0
44,83%

الإخلالات في خطاب الكراهية حسب وسائل الإعلام

موقع الصدى 39,08%
34
الضمير 20,69%
18
الصريح 11,49%
10
الشروق 5,75%
5
موقع بزنس نيوز 5,75%
5
الصباح 3,45%
3
الشارع المغاربي 3,45%
3
صوت الشعب 2.30%
2
الفجر 2.30%
2
المغرب 2.30%
2
موقع موزاييك أف أم 2.30%
2
لابراس 1,15%
1

الإخلالات حسب طبيعة الخطاب

الوصم 27.59%
24
السب و الشتم 24.14%
21
التحقير 11.49%
10
التمييز 9.20%
8
الثلب 5.75%
5
التكفير 4.60%
4
دعوة للإقصاء 4.60%
4
المس من كرامة الأشخاص 4.60%
4
دعوة للعنف 3.45%
3
دعوة للقتل 2.30%
2
دعوة للإنتقام المعنوي 1.15%
1
دعوة للإنتقام المادي 1.15%
1
 

الإخلالات حسب مصدر الخطاب

كاتب مقالات 45.98%
40
إدارة التحرير 24.14%
21
صحفي معرف 17.24%
15
مستجوب 10.34%
9
صحفي غير معرف 2.30%
2
 

المحاور التي يندرج ضمنها خطاب الكراهية

قضايا إرهابية 32.18%
28
سياسة 27.59%
24
وسائل الاعلام 14.94%
13
رياضة 8.05%
7
قضايا إقتصادية و إجتماعية 5.75%
5
الدين 5.75%
5
أخرى 4.60%
4
جهوية/قبلية/الطائفية 1.15%
1
 

حسب الأشكال الصحفية

أراء (مقالات رأي-اعمدة-تحاليل) 51.72%
45
الخبر و التقرير الاخباري 27.59%
24
العنوان 18.3%
26
تحقيق صحفي 2.30%
2
افتتاحية 2.30%
2
الصور 2.30%
2
فيديو 1.15%
1
 

أمثلة من الاخلالات المرصودة في التعاطي الاعلامي مع خطاب الكراهية:

في الثلب

ورد في صحيفة “الشارع المغاربي” بتاريخ 28/03/2016 مقال عُنْوِنَ “لاتوجد بورقيبية جديدةثلب فيه الإعلامي والناشط السياسي عمر صحابو السياسي محسن مرزوق مدّعيا أنّ هذا الأخير “له ارتباطات مشبوهة بقطر والمخابرات الأمريكية،ماسا بشرفه وسمعته وأخلاقه وصورته بالمجتمع دون تدعيم ذلك ببراهين وإثباتات عينيّة .

وبناء على ذلك يعتبر الإخلال المذكور جريمة تتأسّس على إدعاء مجرّد قد تعرّض الصحفي أو الوسيلة الإعلاميّة الناشرة للمقال إلى تتبعات جزائيّة، لذلك ندعو وسائل الإعلام إلى توخي الحذر من بثّ أو إعادة بث خطاب كراهية تحت غطاء حرية التعبير قد يعرّضها إلى إشكالات قانونية.

شارك

في التكفير

نشر موقع الصدى بتاريخ 13/02/2016 مقال رأي بعنوان: “هيبة الدولة تعبث بها بلاتوهات التعاسة وإعلام الرداءة”، و رد فيه أنّ “المشهد الإعلامي في غالبه خرج عن دوائر اختصاصه و انغمس في الرّعونة و إحداث الإبهار المجّاني…و كذلك للترويج و البروباجندا لكلّ ماهو لا أخلاقي ، لا قيَميّ و لا دينيّ لفائدة أجندات الفساد و الإفساد…”. إحتوى مضمون المقال مختلف أشكال خطاب الكراهية من تهجّم وسب وشتم وثلب لوسائل الإعلام بغاية التكفير باستعمال معجم ديني.

شارك

في الإنتقام المادي

ورد في موقع “الصدى ” بتاريخ 14/03/2016 مقال رأي بعنوان “إعلام فنجان وطنية زيادة يعزّي ويروّح كيف العادة” إتّهم فيه كاتب المقال وسائل الإعلام بأنّها على علم مسبق بالعمليّة الإرهابية ببنقردان قبل وقوعها “إعلام يحضر إستباقا إلى مكان المصيبة…إعلام المتاجرة في الدم”، كما أنّه لمّح إلى أنّ الإعلام شريك في صناعة الإرهاب في تحريض لأهالي المدينة وسائر التونسيين على الإعلاميين قد ينجرّ عنه الإعتداء على الصحفيين و الانتقام منهم بشتى الطرق.

شارك

في المس من كرامة الأشخاص:

ورد في إفتتاحيّة جريدة “الصباح “اليومية بتاريخ 19/02/2016 تحت عنوان”قطاع الطرق نعت فيه كاتب المقال المحتجين والمعتصمين والمضربين بـ”قطاع الطرق ووصف احتجاجاتهم بالممارسات الهمجية. وفي المثال المستعرض عمد صاحب المقال عبر التجريح في شريحة اجتماعية هشّة إلى تأليب الرأي العام عليهم بوصفهم “قطاع طرق” منتقصا من حق الدفاع عن الحقوق الإقتصادية و الإجتماعية بكل الأشكال السلمية و القانونيّة التي تكفلها المعاهدات الدولية ومواثيق حقوق الإنسان.

شارك

في السبّ و الشتم

نشرموقع “بزنس نيوز” بتاريخ 19/02/2016 مقالا بعنوان “Les propos racistes de Safi Saïd ” ذكر فيه أنّ الإعلامي و السياسي صافي السعيد نعت الناشط في المجتمع المدني و الجامعي جوهر بن مبارك في برنامج حواري في إحدى القنوات التونسيّة بـ”الجرذ (Rat)، في إستعادة لعبارة تنال من كرامة الأشخاص

شارك


الإخلالات المرصودة في التعاطي الإعلامي مع النزاعات المسلحة


صحف ورقية يومية
0
إخلالات

توزع الإخلالات على وسائل الإعلام


الصريح
5
الضمير
1
لو كوتيديان
1

توزيع الإخلالات حسب طبيعتها


الاثارة و التهويل
3
عدم التثبت من المصدر
1
نشر بيانات تمجد استهداف المدنيين
!
تضليل الرأي العام
!
نشر صور القتلى و عائلاتهم
!

حسب الأشكال الصحفية


العنوان
3
الخبر والتقرير الإخباري
3
الصور
1
 

أمثلة من الاخلالات المرصودة في التعاطي الاعلامي مع النزاعات المسلحة:

في نشر صور للقتلى و عائلاتهم

ورد بجريدة الضمير بتاريخ 23 فيفري 2016 مقال تحت عنوان” قتلى من المدنيين بقصف روسي بريف حلب” مرفوقا بصورة لجثة طفل تحت الركام .علما بأنه في هذه الحالة ينصح بنشر الصور التي يتفاعل معها القارئ عاطفياً ولا تسبب له صدمة كبيرة. وبدلاً من نشر صور صارخة لجثة طفل، يمكن مثلاً نشر صورة ثياب أطفال ملطخة بالدماء.

Share this Post

في تضليل الرأي العام:

ورد في صحيفة “لوكوتيديان” بتاريخ 26 مارس 2016 مقال بعنوان “immense émoi après l’exécution d’un palestinien par un soldat israélien »  نعت فيه مواطن فلسطيني  بالـمعتدي و الإرهابي  ( Agresseur/Terroriste)   في إعادة لنشر  مقال بصحيفة  libération  الفرنسية ربط الفلسطيني بصفة الإرهابي مما من شأنه ان يؤثر على طبيعة فهم الرأي العام  للصراع الفلسطيني الإسرائيلي و يسلب الفلسطيني حقه في مقاومة الإحتلال الذي تضمنه له المعاهدات الدولية .

و يعود هذا الخطأ المهني إلى عدم معالجة برقيات الوكالات الأنباء العالمية أو إعادة نشر المقالات الغربية كما هي بما ينجرّ عنه تبنّي نفس المقاييس و المصطلحات في التعاطي مع جملة من القضايا.

Share this Post

في الإثارة و التهويل

ورد  في جريدة “الصريح ” بتاريخ 14/02/2016 مقالا بعنوان “هل تقدر تونس منهكة إقتصاديا على إعالة طوفان بشريّ” حيث تضمّن العنوان تضخيما من مخاوف التكلفة الإجتماعيّة و الإقتصادية للاجئين ليبين محتملين في تونس في صورة وقوع تدخّل عسكري في ليبيا، في حين أنّ المواثيق والمعاهدات الدولية في الصدد تؤكّد على ضرورة تجنب الاثارة في المعالجة الإعلامية لأخبار اللّاجئين والنّازحين تفاديا للتحريض وردات الفعل العنصرية وكل أنواع  التمييز وإثارة النعرات وبثّ الخوف في صفوف المواطنين من جرّاء حالات اللّجوء أو الهجرة إلى البلد المستضيف.

Share this Post


دراسة حول علاقة الجمهور بالإعلام 
الاهمية والآليات

أسست النقابة الوطنيّة للصحفيين التونسيين بدعم من منظمةأنترنيوز أوروبامنذ مطلع ديسمبر 2015 مرصد أخلاقيات المهنة الصحفية في الصحافة المكتوبة والإلكترونيةيرصد الإخلالات  المهنية المتعلّقة بتغطية الإرهاب والنزاعات المسلّحة وخطاب الكراهية، وذلك من أجل تعزيز مسألة التنظيم الذاتي وتحفيز الوعي بمناقشة المعايير الأخلاقية مع توجّه أقوى نحو تشريك الجمهور في التفاعل و إبداء الرأي والمساءلة من خلال منصّة إلكترونية وضعت للصدد وعبر وسائل التواصل الإجتماعي.

كما يتم بالشراكة معنواةإعداد ومضات تحسيسية حول الممارسات الفضلى في تغطية القضايا موضوع عمل المرصد بغاية تسهيل تشريك الجمهور في مناقشة المحتويات الصحفيّة.
وتعتبر هذه الآلية من بين الآليات التي تسعى إلى  فرض تشريك الجمهور في الوسيلة الاعلامية حيث تعمل على تنبيهه وكذلك وسائل الاعلام من التجاوزات التي تحصل في التعاطي مع الاخبار والمعلومات و أشكالها و إرساء ثقافة المساءلة الاعلامية وسط وسائل الاعلام و المجتمع مما يدفع الجمهور إلى تبني ممارسات يومية في التحقق من الأخبار التي تتدفق من قنوات وسائل الاعلام والتحول من التلقي السلبي إلى التفاعل الايجابي الذي يخضع المعلومات للفحص و التدقيق ومعايير الجودة.

اشتق مصطلح الوسيط من المصطلح الانجلوسكسوني Ombudsman (أمين المظالم) والذي تحولت تسميته إلى ” الموفق” وهي كلمة سويدية تعني حامي الوطن في البلدان الفرنكفونية، والمدافع عن الشعب  في البلدان الناطقة بالاسبانية، و يهتم الوسيط بحل النزاعات الادارية في القطاع العام أو الخاص ويكون مستقلا ومحايدا وموضوعيا وذلك لحساسية دوره في التحقيق  في الشكاوي الموجهة ضد الهيئات الحكومية والمنظمات الاخرى الموجودة في القطاع العام أو الخاص بعد التحقّق من هذه الشكاوي المقدمة من طرف المواطنين .و يحدد الموفق مدى صحّتها و يقدم اقتراحات للمنظمات و الهيئات و المؤسسات لحل هذه المشاكل، كما يمثل مصدر للمعلومة السرية و غير الرسمية و يعتبر أداة للتواصل و يهتم بالشكاوي  و يحل الخلافات التي  يمكن أن تحصل بين المواطن و تلك الهيئات المنظمة مما يساهم في تحسين أدائها و تحميلها قدرا من المسؤولية  تجاه المواطنين الذين بإمكانهم تبليغ أصواتهم وتقديم اقتراحاتهم  والمشاركة في فعالياتها.

تعود بداية ظهور الموفق مع قرار البرلمان السويدي إنشاء وظيفة “حامي المواطن” في 1809 و ذلك لضمان  تحقيق العدل في القرارات الادارية للحكومة.و بمرور الوقت الهمت هذه الوظيفة الوسط الصحفي  و أصبح الموفق ممثلا لقراء الصحافة المكتوبة  أو متابعي الصحافة الالكترونية  و مساهما في إرساء الية التعديل الذاتي وسط المؤسسة الاعلامية.

و ظهر أول موفق إعلامي في أمريكا  سنة 1967 في صحيفة Louisville Courier-Journal   And Times   بعد عدة تعاليق  إيجابية من Ben H. bagdikan  وهو ناقد لوسائل الاعلام وA.H. Raskin اللذان اقترحا  ضرورة وجود ناقد داخلي  للصحف يعتني بتحقيق الموضوعيّة و الدقة في التغطية  الصحفية و له سلطة التعامل مع شكاوي المواطنين.

في سنة 1970 أنشأت صحيفة The Washington Post أول موفّق إعلامي يهتم بالعلاقة بين الصحيفة وقرائها من خلال الاستماع إلى الشكاوى و تحرير ملاحظات داخلية، ومنذ ظهور وظيفة الموفق لاحظنا إزدياد كبيرا في المؤسسات المعتمدة على مثال ” الموفق” في القطاع العام و القطاع الخاص.

و في كندا ظهر الموفق الاعلامي في بداية السبعينات في صحيفة Toronto Star و قد خلقت الصحيفة  اليومية  الناطقة  بالانقليزية The Gazette وظيفة مشابهة سنة 1981.

وفي نهاية سنة 2006 خلقت 120 دولة تعتمد النظام الديمقراطي وظيفة الموفق .

و تصف المنظمة العالمية للوسطاء الصحفيين الوسيط  بأنّه الشخص  الذي يتقبل شكاوى القراء و المستمعين و المتفرجين بخصوص دقة و مهنية التعامل مع المعلومة ثم يقترح الحلول المناسبة  لتلك الشكاوى.وتمثل الوساطة طريقة ناجعة  لتعديل العلاقة بين المستخدمين و وسائل الإعلام.

و يوجد صنفان من الوسطاء وهما الوسيط المصلح  الذي يلعب دور الوسيط بين ادارة التحرير والقراء بهدف المصالحة، و الوسيط المنظم الذي تتعدى وظيفته وصل الجمهور بوسائل الاعلام لضمان إنتاج مادة ذات جودة عالية إلى تشريكه في عمليّة البحث عن المعلومة ومعالجتها و توزيعها، كما يساعد المؤسسة على أن تصبح أكثر إنتشار وأكثر مسؤولية تجاه جمهورها وبالتالي أكثر مصداقية، و يساهم ايضا في تطوير وعي المسؤولين الاعلاميين تجاه متطلبات جمهورهم و متطلباتهم، و إفراده بموضوع التعامل مع شكاوي المواطنين لضمان حقهم في النفاذ إلى المعلومة،  كما يلعب الموفق دورا في إلزام المؤسسة بالاستقلالية الصحفية وتشريك الجمهور في العملية الإتصالية إضافة إلى خلق فضاء  لتبادل الخبرات و المعلومات و الافكار بين اعضاء الوسيلة الاعلامية و الجمهور.
وفي
فرنسا كاناندري لورنسأول وسيط فرنسي في صحيفةلوموندسنة 1984 وانشأ نادي الوسطاء الذي تترأسهماري لور أوجريسنة 2006  ويظم 9 أعضاء.
وفي سويسرا يوجد 13 وسيطاً في سويسرا يعملون أساساً في الصحافة المكتوبة و في القطاع السمعي البصري الخاص والعام.

أما في ألمانيا فما تزال الوساطة في ميدان الصحافة في مراحلها الأولى حيث لا يوجد إلا 11 وسيطاً في الصحافة المكتوبة حتى سنة 2014.

وفي بلجيكا لم تلاق فكرة الوسيط رواجاً كبيراً حيث أن الوسيط الوحيد في هذا البلد يشتغل في الصحيفة اليومية“De Standaard” التي يحرر فيها فقرة أسبوعية.

و كان للقناة الإذاعية التلفزية البلجيكية VRT “مديرا للأخلاقيات المهنية” ولكنه ليس وسيطاً حقيقياً بل يهتم أساساً بالسهر على أخلاقيات البرامج  الترفيهية  في الإذاعة والتلفزة العمومية، و يوجد أيضا وسيط وحيد في التلفزة العمومية الفرنكوفونية (RTBF) الملزمة قانونيا بذلك.  وفي العموم يلعب مجلسان للصحافة دور الوساطة الصحفية في بلجيكا.

ويوجد في إسبانيا عدد قليل من الوسطاء لحداثة الديمقراطية بها، وتعتبر صحيفة “آل باييس” أوّل من خلق وظيفة الوسيط سنة 1985.

لم يعد الجمهور مجرد متلق يكتفي بالمشاركة في الالعاب و المسابقات  في البرامج الترفيهية  و غيرها  بل أصبح عنصرا فاعلا في وضع أسس صحافة  مهنية تقوم على الحياد  و تأخذ بعين الاعتبار متطلباته و ملاحظاته.

ويذكر أن اذاعة موزاييك  هي المؤسسة  الاعلامية السمعية  التونسية الاولى التي بعثت بخطة موفق إذاعي  سنة 2013، للعب دور الوسيط بين الاذاعة و المتلقي ، وقد وقع إختيار الإعلامي الهادي السنوسي  لهذه المهمة ليكون ” عينا تنظر بكل حرص على تطبيق الميثاق التحريري للإذاعة و متابعة كل الملاحظات و ما يرد عليها من تحفظات من قبل الجمهور مع استقلالية  هذه الخطة  عن الادارة  و التحرير “.

ويلعب الموفق الإذاعي لــ”موزاييك أف أم” دور الرابط بين المؤسسة الإعلامية و محيطها  أي جمهورها بتركيبته المختلفة ، كما يشير الفصل 20 من الميثاق التحريري للإذاعة أن  الموفق يجب ان  يكون “خبيرا ضالعا في الشأن الاعلامي  و له تجربة  طويلة في هذا المجال” ،وهو ما توفر في الصحفي المذكور.

ويؤكّد السنوسي على أنّ الموفق يجب أن يكون محايدا  أي أن لا ينحاز لا إلى رئاسة تحرير الاذاعة  حتى أنه لا يحضر اجتماعات التحرير، و لا إلى الجمهور، بل يحرص فقط على احترام نص الميثاق التحريري و يتلقى الملاحظات و الشكاوي و الاقتراحات من المستمعين و يبلغها إلى ادارة الإذاعة في شكل تقرير شهري يقدمه مباشرة من خلال أحد البرامج.

و يشير السنوسي إلى  الصعوبات التي اعترضته خلال قيامه بمهمته منها “تعمد الفهم الخاطئ لدور الموفق من قبل الصحفيين العاملين بالإذاعة فهم لم يتقبلوا فكرة ان تكون هناك سلطة تراقبهم وتحد من حريتهم ، إذ أنهم كانوا يعتبرون الموفق عنصرا مقيدا يعمل على “صنصرة عملهم”.

ويقول “السنوسي” أنه عمل على تخطي هذه العوائق بتكرار الاجتماعات مع الصحفيين ليوضح لهم أن الموفق سيساعدهم على تجنب الأخطاء التي ستسيئ لهم بدرجة أولى و إلى الإذاعة بدرجة ثانية .

كما عمل على تذكيرهم بالتقيدّ بنص الميثاق التحريري للإذاعة وميثاق أخلاقيات المهنة والمعاهدات و التشريعات الدولية في المجال.

وأكد السنوسي أن بعث خطة الموفق الاذاعي حققت العديد من التعديلات و ساهمت في محافظة الاذاعة على المراتب الاولى وتحقيق نسب استماع عالية وذلك  بالتزام العاملين فيها بتطبيق الميثاق التحريري واحترام حق الردّ لكل الأطراف و فسح المجال للجمهور للتدخل وإبداء رأيه واقتراحاته في شتى المواضيع المطروحة بالإذاعة.

ويرى السنوسي أن معظم المؤسسات الإعلامية لا تعرف بعد مفهوم الموفق ودوره حتى أنها تتجنّبه ولا تقدّر ما يقدّمه من خدمة للمؤسسة من حيث التعديل الذاتي لها.

يمثل الجمهور أحد المكونات الأساسيّة للعمليّة الإتصاليّة ، وقد تطوّر دوره من متلقّ إلى مؤثّر في المادة الإعلامية ومشاركا فيها، ومن هذا المنطلق، ظهر مفهوم التعديل الذاتي.

والتعديل الذاتي في قطاع الإعلام يقتضي الموازنة بين عنصريه الأساسيين: الجمهور و الصحافيين، وحتى ينتبه الصحفي لمتطلبات الجمهور وآرائه لابد من هيكل يبلور هذه الطلبات ليحولها إلى أسس يرتكز عليها نظام التعديل الذاتي. هذا الهيكل  كما ظهر في دول غربية يعرف بمجلس الصحافة، مستقل عن الدولة، ويمثل جهة تحكيم بين الصحفيين والجمهور ولا يأخذ قطعا شكل المحكمة وإن اعتمد بعض آلياتها، وهو يحمي الجمهور من مساوئ توظيف الإعلام ومن حياد المادة الإعلاميّة عن أهدافها الأساسية في الإخبار والتثقيف والترفيه.

ظهر أوّل مجلس للصحافة بالسويد سنة 1916، وهو عبارة عن “أمين مظالم” يتلقى تظلمات المواطنين وينظر فيها لوقف ما قد يلحق الجمهور من سوء توظيف الصحافة بمنأى عن القرارات الملكيّة.  وفي سنة 1953 تأسس مجلس الصحافة البريطاني والذي إقتدت به عدّة دول أخرى.

ويعتبر مجلس الصحافة من خلال هذه التجارب آلية ضبط وتعديل تتمتّع بسلطة معنويّة في رصد مدى احترام وسائل الإعلام لأخلاقيّات المهنة والعمل على بثّ مادة إعلاميّة تحترم الأشخاص والجمهور بتطبيق قواعد المهنيّة في إطار البحث عن الحقيقة ونشرها.

  • التجربة التونسيّة في مجال التعديل الذاتي:

بادرت النقابة الوطنية للصحفيين منذ سنة 2012 بفتح باب المشاورات والتباحث مع عدد من الهياكل المشرفة على قطاع الإعلام ومجموعة من مكونات المجتمع المدني لإرساء هيكل يعني بالتعديل الذاتي للمهنة باعتباره نظام حوكمة يهدف أساسا إلى ضمان الحرية و الإستقلالية و الشفافية لوسائل الإعلام، ويسعى إلى الرقي بجودة المحتويات الإعلامية ومصداقيتها وإلى إرساء مناخ من الثقة بين الصحافيين والقراء مبني على إحترام أخلاقيات المهنة الصحفيّة على وضع الآليات اللازمة لتفادي الإنزلاقات الإعلامية لمعالجتها في صورة وقوعها، وهو ما سيمكن من ضمان حماية أعلى لحرية الصحافة من ناحية والحد أكثر ما يمكن من التجاوزات و الإنزلاقات التي تترتب عنها من ناحية أخرى.

وانطلاقا من سنة 2013 انعقدت جملة من المشاورات بين النقابة و عدد من الهيئات المعنية بمجلس الصحافة وتمّ تنظيم عدة ندوات ولقاءات بحضور خبراء وطنيين ودوليين من قطاع الإعلام لتدارس سبل إرساء هذا الهيكل أستعرضت فيها التجارب الدولية المقارنة .

وفي أواسط سنة 2015 تمّ الإتفاق على تحديد تركيبة المجلس وضبط مهامه وطبيعته القانونية، وفيما يتعلق بالتركيبة تمّ الإتفاق على أن تظم ممثلين عن النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، والجامعة التونسية لمديري الصحف، وممثل عن الجمهور ونقابة المؤسسات الإعلامية ونقابة الإعلام بالإتحاد العام التونسي للشغل، يضاف إليهم عضوين يتم تعيينهما بالتوافق بين أعضاء المجلس أحدهما شخصية وطنيّة تحظى بالتوافق في قطاع الإعلام وأكاديمي متخصص في مجال الإعلام.

وتجدر الإشارة إلى أنّه تمّ يوم 23 أكتوبر 2015 تأسيس جمعية دعم مجلس الصحافة ستعمل أساسا على إحداث هيئة تأسيسية وقتية لمجلس الصحافة، والإعداد لمؤتمر تأسيسي له، ومساعدة المجلس على تركيز هياكل وآليات عمله المتعلقة بالرصد والتوثيق والمصالحة والبحث والتكوين والتوعية.

ومن بين مهام هذا المجلس رصد ومتابعة الممارسة الصحفيّة ومدى ملائمتها مع المعايير المهنيّة وأخلاقيات العمل الصحفي، ولعب دور الوسيط بين وسائل الإعلام والجمهور والقيام بمتابعة الشكايات من خلال التوفيق والمصالحة و المسائلة الأخلاقية، والدفاع عن حقّ المواطن في الإعلام وعن حرية الصحافة عبر وضع ميثاق أخلاقي للممارسة الصحفيّة

ومن غايات إرساء مجلس الصحافة تفادي رفع قضايا جزائيّة في حق الصحفيين ووسائل الإعلام على خلفيّة إرتكاب أخطاء أثناء ممارسة المهنة، وتحقيق معادلة التعديل الذاتي. وعملا بمقولة “رب عمل الصحفي هو جمهور القرّاء”، فإنّ الجمهور هو مرآة الأخطاء الصحفية ومقياس رصدها  ولذلك منح مكانة بارزة في تركيبة المكتب التنفيذي لمجلس الصحافة.

وقد تمّ في التجربة التونسيّة الوليدة التوافق على اختيار على الرابطة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان لتمثيل الجمهور في هذا الهيكل.

ويجدر التنويه إلى أنّ العمل على حث الجمهور على التفاعل مع المجلس يتمّ من خلال:

  • الوساطة بين الجمهور ووسائل الإعلام سواء كانوا صحافيين أو أصحاب مؤسسات الإعلام، ويتمّ ذلك سواء بمبادرة من المجلس أو إثر تلقيه شكاوى من المواطنين وذلك للحد من المرور للقضاء
  • المرافقة لوسائل الإعلام من خلال مساعدتها على التعديل الذاتي  أي تقديم مساعدة على انجاز مواثيق تحريرية واحداث خطة الموفّق الاعلامي والتدريب على احترام اخلاقيات المهنة.
  • آلية الرصد ويتمّ من خلالها مراقبة الأداء المهني للصحفيين ومدى إحترامهم لأخلاقيات المهنة مع نشر تقارير دورية في الصدد.

تمثل الوسائط الإجتماعية أو ما يعبر عنها بالانقليزية social Media  أحدث التطورات التي طرأت على الانترنات والتي صاحبها ظهور العديد من تكنولوجيا الواب.
و تاخذ هذه التكنولوجيا العديد من الأشكال منها مواقع التواصل الاجتماعي كالفايسبوك والمنتديات وتويتر والتي يمكن أن يُستعمل فيها الفيديو والصور
.
وقد انتشرت هذه الوسائط في العالم العربي مع اندلاع الثورات حيث تحول المواطن إلى صحفي يعيش الاحداث ويصور ويكتب إلى مختلف وسائل الاعلام التي لم تتمكن من تغطية الاحداث خوفا من سياسة النظام الذي حاول بكل الطرق منع نقل ما يحدث للعالم أو لصعوبة الوصول للحدث نفسه. و بالتالي أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي عاملا مهما في تهيئة متطلبات التغيير عن طريق تكوين الوعي لدى المستخدمين أو بالاحرى لدى الجمهور الذي تجاوز صفته التقليدية كمتقبل سلبي للمادة الاعلامية دون استجابة ليصبح منتجا ومشاركا في مضمون المادة الاعلامية
و ما ينتج عن ذلك من تغيير انقلابي للنموذج الاتصالي القديم و ظهور مفهوم الاعلام البديل الذي يمثل مرحلة انتقالية  من ناحية استخدامات الوسائل
. و يستقي هذا المفهوم الجديد  Alternative media دلالته من الجمهور الذي اتخذ من الوسائط الاجتماعية  بديلا عن الاعلام التقليدي  يقوم على عدة آليات منها البحث عن التفاعلية بينه وبين وسائل الاعلام و تعزيز مشاركته في فعل الاتصال و أن يعتبر كمتلقي للمضامين الاعلامية شريكا جديرا في التأثير في محتواها لا التاثير عليه.

  و تواصلا مع نفس الموضوع المتعلق بالشبكات الاجتماعية  والجمهور والاعلام  برز مصطلح الميديا الجديدة  كحقل بحثي في طور التشكل ضمن الحقل الواسع لعلوم الاعلام و الاتصال، و ارتبط بإعادة تشكل مفهومي النخبة و الجمهور  بدلا عن مفهوم  الاعلام البديل  أو الاعلام الجديد ، ذلك أن الاعلام مرتبط بالتلفزة و الاذاعة و الصحافة المكتوبة الذين تتمثل مهمتهم في إنتاج المضامين الموجهة للجمهور بينما تحيل التقنيات الحديثة إلى الوسائل التقنية الرقمية كالهاتف و الحاسوب التي تقوم بعمليات  التوصيل و النقل و التواصل .كما أن الاستخدام العربي لمدلول الاعلام  Media  يحيل إلى الابلاغ و الاخبار و الارسال و المعرفة في حين أن مصطلح Media  يعود في الاصل إلى المعنى اللاتيني Medium الذي يحيل إلى معاني الوساطة .فالميديا الجديدة تلعب دور الوساطة و تربط العلاقات بين الناس .
والميديا الجديدة  كما يراها الباحثون الغربيون هي كوكبة تتعايش فيها وسائط الاعلام التقليدية  مع تكنولوجيات جديدة متغيرة ،و الميديا الجديدة ليست كلها جديدة  بل كل مضامينها تتاتى من الميديا القديمة  تعيد تنظيمها و تجديدها و تحتفظ بالوسائط الجديدة مع الحفاظ على الروابط القديمة، و تقوم على صفة التغيير المستمر والابتكار المتواصل في مستوى الاجهزة وفي مستوى التطبيقات ويتمثل مستوى الاختلاف بين الميديا القديمة والميديا الجديدة في التفاعلية .
فمن أشكال التفاعلية المحدودة للميديا القديمة  الحضور مثلا في استيديو بينما تشهد الميديا الجديدة تفاعلية شاملة  كالتعليق المباشر مثلا على صفحات التواصل الاجتماعي.
و تعتبر الميديا الجديدة في حالة اتصال دائم بالإعلام القديم، فالإعلام الجديد  مثلا في المجال التلفزيوني يتشكل من مضامين قديمة تحملها تقنيات جديدة، كما أنها تستغل الإنترنت لتسهيل نفاذ الجمهور إلى برامجها وموادها.
وهذا يحيلنا إلى الحديث عن الجمهور الذي يختلف بدوره في الميديا القديمة و في الميديا الجديدة. فبعد ظهور حقل الميديا الجديدة طرحت مسالة إعادة النظر في التفكير في الميديا القديمة وفي مفهوم الجمهور التقليدي المتلقي للمضامين الاعلامية في إطار نظري جديد. فثلاثية الانتاج و المضمون و المتلقي ( الجمهور ) تتغير في حقل الميديا الجديدة لتصبح الاجهزة و الاستخدامات و البيئة .ففي الميديا القديمة ندرس تأثيرات المضامين على الجمهور بينما في الميديا الجديدة ندرس التفاعلات  و استخدامات الجمهور للميديا .
فالميديا
الجديدة قطعت مع فكرة الجمهور السلبي الذي يتقبل المضمون و يتاثر بل أصبح  جمهور يتقبل و يناقش و يقاوم التأثير.
وساهم انتشار التقنية و الانترنات في ظهور جملة من الاشكاليات و الممارسات  لم تكن موجودة بشأن انتاج المعنى و الثقافة وكمثال على ذلك ظهور الجمهور النشط في الانترنات أو في صفحات الفايس بوك و أصبح مدونا ينتج كتابات كانت حكرا على نخبة معينة وصار يمثل نمطا جديدا في الاعلام ( اعلام المواطن).هذا التغيير بدوره شهدته الصحافة الالكترونية المرتبطة بالانترنات والتي إبتكرت ممارسة إعلامية جديدة  و مستحدثة سواء من حيث إنتاج المضمون أو تأسيس علاقة جديدة مع الجمهور.
و في نفس السياق الذي يثمن دور الجمهور في علاقته التفاعلية مع وسائل الإعلام تعتبر  تجربة موقع نواة بتونس  فريدة من نوعها  في مسالة علاقتها  بالجمهور و انفتاحها على النقاش العام و التفاعل  بين قراء هذا الموقع

هذا الفضاء الاعلامي الذي كسّر القيود التي كبّلته في تونس واصل فرض استمراريته مع القراء من خارج حدود الوطن يشرف على إدارته بعض النشطاء والمدونين المعارضين واللاجئين  السياسيين،  تميز هذا الفضاء بخط تحريري خاص غير منحاز لأي طرف سياسي يقوم على فضح الانتهاكات و التجاوزات الحاصلة في العهد السابق وتواصل نفس التمشي مع بقية الحكومات المتعاقبة من خلال كشف ملفات الفساد.
ورغم أساليب الحجب التي مورست عليه ،فإنّ ذلك لم يمنعه من ربط جسر التواصل بينه و بين الجمهور و التفاعل مع الجالية التونسية من خلال مختلف شبكات التواصل الاجتماعي.

إذ خصّصت إدارة الموقع صفحة في شكل فضاء  عام يسمح فيه لأي شخص  نشر مقالاته والتعبير عن رأيه بكل حرية مع ضمان سرية النشر. هذه الصفحة التي يؤثثها الجمهور اختصت في صحافة البيانات والاستقصاء والوثائق المسربّة واختصّت بكل ما له علاقة بمسألة حقوق الانسان وملفات الرشوة والفساد في مختلف القطاعات والحوكمة الرشيدة والديمقراطية والحريات الفردية ومختلف القضايا التي تهم الرأي العام،  كما تضمن هذه الصفحة حماية  الناشر من خلال سرية النشر وذلك باستعمال تقنيات عالية لا تترك اثر للعنوان الالكتروني أو اسم الناشر و يحظى هذا الموقع بمليون متابعة .

وحسب المشرفين على هذا الموقع فإنه لا يعنيهم نشر الخبر بقدر ما يعنيهم تفكيكه والبحث في حيثياته و تفاصيله، تجاوز دوره الاستقصائي لينفتح على صحافة القرب و المواطنة  من خلال برمجة  ورشات تدريبية في أكثر من 15 دور شباب بالتعاون مع وزارة الشباب و الرياضة  و بعث  نوادي تعنى بصحافة المواطنة  لربط الصلة أكثر باقتراحات الجمهور و تفاعلاته  و تشريكه  أكثر في اختيار مضمون المادة الإعلامية.

مازال الجمهور يحتل ومنذ عقود مكانة في العملية الإتصالية سواء بوصفه مجرد متلقّ أو متفاعلا أو مشاركا. وقد لعب التنظير في هذا المجال دور هاما من خلال عدّة دراسات   ودراسات مقارنة و إنتقادات عميقة لبعض التصورات الكلاسيكيّة المرتبطة بالبروباغندا السياسية أو النفعيّة السلطويّة أو التكتلات الماليّة. كما يلعب تطوّر تكنولوجيا الاتصال دورا حاسما في هذا الصدد والذي وجد له أفضل التطبيقات في شبكات التواصل الاجتماعي بوصفها أكبر فضاء لتعبير الجمهور عن أفكاره وأراءه وهواجسه في تجاوز للشكل الكلاسيكي لجمعيات القراء و المستمعين.

غير أنّ الهياكل الصحفيّة ومؤسسات الإعلام والصحفيين بوصفها الطرف الأساسي في عمليّة إنتاج المحتوى وتجويده معنيّة ضرورة بتطوير العلاقات مع الجمهور وتفعيلها لذلك تمّ بعث خطّة الموفق الإعلامي وأنشأت مجالس الصحافة وصممت منتديات الحوار وأقيمت شتى الندوات والملتقيات جامعة لكل أطراف العمليّة الاتصالية سواء لمناقشة المبحث ذاته أو للتداول في أهم القضايا المجتمعيّة.

غير أنّ الأمور لا تسير بهذه السلاسة خاصة في المجتمعات التي تعيش انتقالات ديمقراطية عسيرة على غرار بلادنا. فالتركة الثقيلة لنظام الحكم الديكتاتوريّ مازالت تحول دون تطبيع العلاقة بين وسائل الإعلام والجمهور الذي تمّ تغيبه كليا لعقود في المشاركة في العملية الإتصالية وحصره في الدور الإستهلاكي، و لم يتمكّن بعد من بناء الثقة في الإعلام.

كما أنّ وسائل الإعلام لم تستثمر الهوامش الواسعة من الحريات التي فرضت بعد الثورة لكسب احترام قطاعات متنوعة وواسعة من الجمهور من خلال تحسين المادة المقدمة بما يستجيب لتطلعات المواطنين ويتماشى مع طبيعة المرحلة.

يضاف إلى ذلك مخاوف من سيطرة لوبيات سياسية وماليّة على المشهد الإعلامي بما يهدّد تنوعه وتعدديته وحريته ومضامينه بما من شأنه أن يقصي فئات هامة من الجمهور من حقها في المعلومة ومن إبلاغ صوتها.

وفي ظلّ هذه الصعوبات فإنّ أدوار الصحفيين ووسائل الإعلام لا يمكن أن تنجح وحدها في تنمية العلاقة مع الجمهور دون مراجعة جملة من الإشكاليات على غرار تحمل الدولة لمسؤولياتها الإجتماعية في دعم صحافة القرب، ومراجعة معايير منح الإشهار العمومي، وحسن تفعيل قانون النفاذ إلى المعلومة…

شــــــــارك

حمّل التقرير التفصيلي بصيغة PDF

  • This field is for validation purposes and should be left unchanged.

شــــــــارك